Friday, September 22, 2006

قال يا فرعون إيه فرعنك؟

مع الإطلالة الحزبية السنوية - ما يسمى بمؤتمر الحزب - ما زال الرفاق حائرين، يفكرون، يتساءلون: فرعوننا القادم من يكون؟! سؤال عويص، فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه و تعالى، و لذلك أقترح أن نستبدله بسؤال في مستوى الطالب المتوسط: من يحكم مصر حاليا؟

السؤال إجباري، و ينقسم إلى عدة جزئيات:

من جاء لنا برجال الأعمال ليتولوا إدارة الشركة القابضة على أرواح المصريين ش.م.م. (مصر سابقا)؟

من الذي نقل المطبخ السياسي بقدرة قادر من لجان مجلس الشعب (اللي هي لجان الحزب) إلى الكيان الهلامي المسمى بلجنة السياسات؟

من الذي أشرف رجاله على إعداد قوانين الضرائب و الجمارك و التأمين الصحي و غيرها من القوانين التي تطبخ في لجنة السياسات ثم يوافق عليها مجلس الشعب عمياني؟

من الذي أتى لنا برؤساء تحرير الصحف الحكومية (حرام نسميها قومية) أمثال القط و بركات و أبو الحديد؟ و الأهم، جاب الأشكال دي منين؟

من الذي كلّف لجنة السياسات بوضع ما يسمى "ببرنامج الرئيس مبارك الانتخابي"، دون تحديد أي المباركَين يقصدون؟

من الذي ضُبط متلبسا في البيت الأبيض يطلب البَرَكة من الباب العالي في واشنطن حتى لا "يعصلج" الخليفة بوش الثاني في توليته رسميا؟
الإجابة النموذجية، للي عايز يدخل طب طرة أو هندسة أبو زعبل:
السيد الرئيس جمال مبارك، بالتعاون مع ما يسمى بلجنة السياسات، هو من يأتي بالسادة الوزراء، و السادة مرشحي الحزب الوطني للمجالس النيابية، و السادة رؤساء تحرير الصحف القومية، و السادة البلطجية لزوم مشروع خصخصة الأمن. لجنة السياسات هي أيضا المطبخ الذي تعد فيه القوانين الجديدة، ثم يتم "سلقها" في مجلسي الشعب و الشورى، و "شويها" في الحكومة، ثم "طفحها" في الشارع. من الأمثلة على ذلك قانوني الضرائب و الجمارك، و قانون التأمين الصحي الذي أوشك على دخول مرحلة "السلق". و بالإضافة للقوانين، فقد وضع رجال لجنة السياسات أيضا ما يسمى ببرنامج الرئيس الانتخابي، دون أن يحددوا أي رئيس يقصدون. أما بالنسبة للسادة الوزراء، أو ما يسمى بالحكومة، فقد تم إعفاؤهم من أية مهام سياسية، فهم في الأساس رجال إدارة مشهود لهم بالكفاءة في أعمالهم الخاصة، و لذلك ليس من الضروري أن يدركوا الفارق ما بين الخطة الخمسية و مصيدة التسلل، و لا ضير من أن يخلطوا ما بين ميكيافيللي و تارديللي.
الحدوتة كلها أشبه بمشهد في مسرحية شكسبيرية: عرش الفرعون في ركن معتم من المسرح، و المتفرجون قد ملّوا من مونولوجات الزعيم القائد، و لكنهم مازالوا متشبثين بمقاعدهم في انتظار لحظة سقوط الزعيم و ظهور الفرعون الجديد. ثم يأتي مشهد النهاية و تسطع أضواء المسرح في مشهد احتفالي. تتجه الأعين إلى الكواليس في انتظار دخول الوجه الجديد إلى المسرح لاستكمال دور الفرعون. و إذا بالمفاجأة: تسلط الأضواء على العرش، فإذا بالفرعون الصغير "منجعصا" على عرشه منذ بداية المسرحية و هو يضحك من البلاهة المرسومة على أوجه المتفرجين، ثم تبدأ أوركسترا أنس الفقي السيمفوني في عزف اللحن الختامي: لو كنت بتحبها مالكش دعوة بها.

أما على صعيد السياسة الخارجية فما زال الأخ جمال يستعين بالسيد الوالد لخبرته الطويلة في هذا المجال. و كالعادة انحصرت سياستنا الخارجية في اتجاهين رئيسيين: تقديم التنازلات و تسوّل المعونات، مع نشاط ملحوظ في كليهما نظرا لحساسية المرحلة و الحاجة للدعم المادي و المعنوي للجمهورية الجديدة. من بعض الأمثلة على التنازلات عن ما يسمى بالسيادة الوطنية، أو ما تبقى منها، المشاركة اللوجستية غير المعلنة في الحرب الأمريكية على العراق، الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، التوقيع على اتفاقية الكويز، تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، و فضيحة السماح بعبور حاملة الطائرات الفرنسية كليمنصو لقناة السويس. أما عن المعونات فقائمة الزيارات لدول الخليج و بعض الدول الأوروبية تزداد طولا يوما بعد يوم، و يزداد معها الدين الخارجي و فوائده.

أما عن المغرضين الذين ينددون بغياب السيدَين الرئيسَين عن القمة العربية في الخرطوم، و قمة الاتحاد الإفريقي في جامبيا (و التي حضر إليها الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز من آخر الدنيا)، و من قبلهما القمة العربية اللاتينية في البرازيل، و قمة عدم الانحياز في ماليزيا ثم كوبا، فهؤلاء المغرضون بالطبع لا يدركون طبيعة المرحلة و لا يقدرون دور مصر "المحوري" في المنطقة. يكفي أننا سنستضيف مؤتمر عدم الانحياز القادم في القاهرة - غالبا في عمر مكرم - و من المقررأن يبدأ جدول الأعمال بالوقوف دقيقة حداد على "العدم"، و الدعاء للانحياز بطول العمر و الصحة.

كل ده و ما زالوا يفكرون و يتساءلون. سيداتي آنساتي سادتي، يؤسفني أن أعلمكم بأن "اللي ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى"!