Wednesday, April 13, 2005

في ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية - 13 أبريل 1975

يبدو أن أبريل هو من أشهُر الكوارث الكبرى في التاريخ العربي الحديث. من دير ياسين إلى بحر البقر، و من قانا إلى سقوط بغداد، و بالطبع بداية الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت ما يقرب من 15 سنة. ما زلت أذكر صور انفجارات و اغتيالات لبنان في نشرات الأخبار، و ما زلت أذكر بعض مشاهد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في فيلم "ناجي العلي" للعبقري عاطف الطيب، و مازلت قلقاً مما يحدث في لبنان هذه الأيام.ـ

و لكن عليَّ أن أعترف بأني لم أكن أعرف الكثير عن تلك الحرب حتى قرأت رواية صنع الله إبراهيم "بيروت .. بيروت". كانت تلك الرواية ضمن ما اشتريت من كتب في زيارتي الأخيرة لمصر، و ظلَّت على أحد الأرفف إلى أن التقطتها أصابعي عشوائيا عندما تذكرت أنني سأحتاج إلى ما أقرأه خلال رحلتي القصيرة إلى مونتريال. كانت الرحلة لإنهاء بعض الأعمال، و لكني اخترت ذلك الموعد لأتمكن من أن أحضر الحفل الغنائي لفيروز في نفس يوم وصولي إلى مونتريال. أثناء انتظاري لموعد إقلاع الطائرة بدأت في قراءة الرواية، و دُهشت من البداية التي سَرَدت عملية التفتيش الدقيقة التي عانى منها الكاتب في مطار القاهرة في طريقه إلى بيروت. دُهشتُ لأني كنت لتوي قد مررت بعملية تفتيش مشابهة، كما هو معتاد لأصحاب الملامح الشرق أوسطية في المطارات الأمريكية. حاولت أن أتجاهل تلك المصادفة و أكملت القراءة، و لكنها، و ياللعجب، لم تكن مصادفتي الأخيرة مع تلك الرواية.ـ

يحاول صنع الله إبراهيم أن يروي قصة الحرب من خلال قصة كاتب مصري يحاول أن ينشر إحدى رواياته في بيروت أثناء الحرب. تشعر من الأحداث بأن لبنان كانت حَلَبة لصراع تعدَّى اللبنانيين إلى العديد من القوى الإقليمية الأخرى التي قررت أن تستغل الأحداث المشتعلة في ذلك البلد الذي أصابته لعنة الجمال. تحاول أن تقاوم ذلك السؤال الذي يقفز إلى ذهنك كلما تقفز من صفحة إلى أخرى: كيف لذلك الشعب المسالم العاشق للجمال أن يرضى بأن يكون القاتل و الضحية في حرب يديرها و يمولها الآخرون؟ تقفز إلى ذهنك أيضا تلك الصور التي نراها يوميا للعراق. هل يمكن أن تصل الحالة العراقية إلى هذه المرحلة؟ ماذا عن السودان؟ الجزائر؟ ماذا عن مصر؟ هل سنظل في سباتنا إلى أن نصبح حطبا لنار حرب لا ناقة لنا فيها و لا جمل بعد أن أصبحنا صفرا كبيرا على يسار الساحة السياسية للشرق الأوسط؟

عودة إلى فيروز التي جاء ذكرها أيضا في الرواية، فهي القاسم المشترك الوحيد في إذاعات الطوائف المتحاربة. لحسن الحظ لم يخضع ذلك الصوت الفريد لأيٍ من التصنيفات الطائفية. اتفقوا على فيروز و اختلفوا على كل شيء، تماما كما اتفق الآلاف من العرب الذين حضروا ذلك الحفل الرائع فى قاعة ربما تكون الأكبر في مونتريال. نجح صوت فيروز، بالتعاون مع كلمات و ألحان عاصي و منصور و زياد، في أن ينسيني الرواية التي لم أكن قد أتممت قراءتها بعد. ظلت تلك النشوة تسري في عقلي لساعات، إلى أن استيقظت في اليوم التالي منفتح الشهية على غير العادة. أسرعت إلى مطعم الفندق لألحق بموعد الإقطار، و قبل أن تمتد يدي إلى ما أحضرته من طعام إلتقطت أذني كلمة "لبنان" تنبعث من جهاز التليفزيون القابع أمامي مباشرة في المطعم. قرأت العنوان المكتوب بالفرنسية التي لا أتقنها أسفل الشاشة، و لكني استطعت أن أميِّز كلماتٍ ثلاث: إغتيال، رفيق، الحريري. كانت تلك صدفتي الأخيرة مع بيروت بيروت التي أتممت قراءتها خلال رحلة العودة، سائلا الله أن تظل تلك الأحداث الدامية حِكراً على الماضي.ـ

1 Comments:

At 8:34 PM, Blogger Andalusian Literature said...

نعم! صدقت أيُّها العربىِّ الذى أتاهَ غيرهُ ولم يعُد بالتائِه! هو حقاً شهر الكوارث الكبرى فى التاريخ العربى الحديث واليوم تحل ذكرى بحر البقر بكل شجونها ووطأتها على نياط القلب وأعصاب الجسد، لكنهُ أيضاً شهر الانتكاسات الشخصية والهزائم النفسية ومراثى الذات وأوجاع القلوب وانكسار النفوس !
ربما حين سطَّرت مقالتك هذه فى الحادية عشر مساءً فى الثالث عشر من أبريل من ثمانية أعوام لم يدُر بخلَدك أن سيلحقَهُ تعليقٌ كهذا....لكن يبدو أن لكَ ولى معكَ فى أبريل موعدٌ وميعاد !

لديك مكانٌ جميل وكتابة أنيقة وموضوعات تباعدت بها الأيام والسنون وربما تناءت الحوادث لكنها تصلح للقراءة كلَّ حين.

تحيَّاتى أيُّها العربىّ الأبىّ

 

Post a Comment

<< Home