Monday, July 24, 2006

ثقافة القيء

أحاول أن أتخيل شعور مقاتلي حزب الله و هم يواجهون الموت وجها لوجه لما يزيد عن العشرة أيام. هم بالتأكيد يدركون أنهم - وحدهم - يواجهون جيش "الدفاع" الإسرائيلي، و التخطيط و التسليح الأمريكي، و التواطؤ مما يسمى بالمجتمع الدولي، و رغم ذلك لا يستسلمون. يرون بأعينهم أهلهم و قد شُردوا و وطنهم و قد دُمّر، و رغم ذلك لا يتوقفون ليبكوا الشهداء أو يواسوا المهجّرين. يواجهون الطائرات و الدبابات و الصواريخ الإسرائيلية و ظهرهم مكشوف أمام طعنات الأخوة العرب في الخفاء و العلن، و لكنهم ما زالوا على الأرض صامدين، يقاومون كما لو كانوا في معزل عن كل ما يحيط بهم من ذل و هوان و إحباط.

و لكن يا ترى هل يسمعون ما يتردد سرا و علنا بأنهم يضحون بأرواحهم و أرواح عائلاتهم و أهلهم لخدمة مصالح إيران في المنطقة؟ هل يدركون أن محوهم من خريطة لبنان السياسية أصبح من ضرورات بقاء الكثيرين في مواقعهم في الشرق الأوسط الجديد بتاع الآنسة كوندي؟ هل تقع أعينهم على المقالات المسمومة التي امتلأت بها الصحف العربية؟ أحمد الله على أن سمعة جريدة الأهرام قد أصبحت في الحضيض، و إلا كانوا قد قرأوا مقال حازم عبد الرحمن عن ثقافة الهزيمة في عدد الأحد 23 يوليو (أي و الله 23 يوليو) و ربما كانوا قد تقيأوا مثلما تقيأت عندما قرأته.

قد يكون الهدف الرئيسي من حرب إسرائيل التدميرية على لبنان، و هو إبعاد قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، قد أوشك على أن يتحقق. هم يدركون أن حزب الله، لطبيعة تكوينه، يصعب القضاء عليه بحملة عسكرية مهما بلغت همجيتها و قوتها التدميرية. كذلك من الصعب أن يوافق حزب الله على نزع سلاحه في ظل التكتلات الطائفية التي ازدادت حدتها بعد اغتيال رفيق الحريري. إذن فالحل من وجهة نظرهم هو أن يوّجه سلاح حزب الله إلى الداخل اللبناني بدلا من إسرائيل، فإن نجحت الدولة اللبنانية في نزع سلاحه كان ذلك خيرا، أما إذا أدى ذلك السلاح إلى نشوب حرب أهلية، فقد زاد الخير إلى خيرين.

و لكن مثل تلك الخطط الجهنمية نظريا غالبا ما تلقى مصير خطة "دمقرطة" العراق و "بلقنة" الصومال. حتى و لو انتشرت قوات أجنبية - من حلف شمال الأطلنطي أو من غيره - على طول الحدود الجنوبية للبنان، و حتى إذا ما أجبروا حزب الله على نقل مواقعه إلى شمال الليطاني، فقد انتصر حزب الله طالما لم يتخل عن خيار المقاومة. إنها تلك المقاومة التى كفرنا بها وسط سيمفونيات النشاز من أوركسترا "مفيش فايدة" السيمفوني من المحيط للخليج. إن الانتصار الأكبر لحزب الله في معركته سيتحقق إذا ما انتقل إلينا إيمان جنوده بعدالة قضيتهم و قدرتهم على التصدي لعدوهم. الكل يعلم أن مظاهرات ساحة الجامع الأزهر و حرق الأعلام و المطالبة بطرد السفراء لن تجدي، و لكن هل خلت جعبتنا إلا من مراسم إبراء الذمة تلك؟ ماذا عن تلك القائمة الطويلة من المصانع و الشركات المشاركة في بروتوكول الكويز؟ هل نستطيع أن نحاصر ذلك البروتوكول شعبيا، إما بتشجيع تلك الشركات المصرية على الانسحاب منه، أو ربما التهديد بمقاطعة تلك الشركات؟ ماذا عن الشركة المصرية الإسرائيلية التى أنشئت لتصدير الغاز المصري لإسرائيل؟ قد لا نستطيع أن نؤثر في نشاطها، و لكن نستطيع أن ننشر أسماء رجال الأعمال المصريين - للأسف - المشاركين فيها و أن نقاطع أنشطتهم المختلفة. أما بالنسبة للثلاثي سامح فهمي و رشيد محمد رشيد و أحمد أبو الغيط فكرسي الوزارة لن يدوم، و نحن لن ننسى.

و أخيرا نداء إلى الأستاذ سلامة أحمد سلامة، أحد أواخر الرجال المحترمين في جريدة الأهرام: لولا حرصي على قراءة عمودك في الأهرام لما تقيأت أمس. أتمنى أن تنقل عمود الأحد إلى أي من الأيام الأخرى التى نبحث فيها عنك فلا نجدك، حتى نستطيع أن نأخذ أجازة من الأهرام و من حازم عبد الرحمن و من القيء يوم الأحد. ـ