Monday, August 21, 2006

أبنوديات

من يوميات الأخبار لجمال الغيطاني، الثلاثاء 15 أغسطس:
عندما صافحت نبيه بري قدمت إليه اعداد أخبار الأدب مبديا اعجابي بحفظه واستشهاده للشعر القديم في خطبه واحاديثه السياسية، قال لي انه حريص علي قراءتها، ثم سألني عن قصيدة عبدالرحمن الابنودي الأخيرة. قلت انها نشرت في الوفد
مقتطفات من قصيدة الأبنودي المنشورة في جريدة الوفد عدد 27 يوليو، و التي ذكرها الغيطاني في مقاله بذكاء شديد، بعد أن ذكرها نبيه بري في حديثهما العابر بذكاء أشد:
وكنت أصرخ أطفِّي النار بصوتي
ويحيي أمّتي في الشدّة.. موتي
فمين اللي كتب عاري ف جبيني
ومين اللي سرق شعلة سكوتي
وأنا اللي غنايا صحي العالمين
أنا المصري
كريم العنصرين..؟
وجُونا اللي رمونا... للمهالك
تقول: "لأّه" يقولولها: "و انتي مالِك"؟
تقول: "لبنان.. أحبابنا الأعزّة.."
يقولوا: "يغوروا.. وتغوروا كذلك".
نسيت من همي أبقي إزاي حزين!!
أنا المصري
كريم العنصرين
وعاد تاني الملك يحكم بلادُه..
ومن بعد السنين دي.. زاد فسادُه
وكنا سادة فوق أرض الكنانة
وأصبحنا عبيدُه.. أو عِبَادُه
وضاع في الزحمة مشوار السنين..
أنا المصري
كريم العنصرين.ـ
وده يسلِّم لده والعصر فاجر
وتاجر حِنْت.. سلّمنا لتاجر
وأُم الأمة مصر الإنسانية
بتتآمر... وبتداري الخناجر
وكنت النجدة واستنجد بمين
أنا المصري
كريم العنصرين..؟
***
وكنت أصرخ.. وكان الكلّ يسمع
وامِدِّ الإيد.. عدوّ الأمة يرجع
وجاني النطع يأمرني ويشخُط
وخلاني بقيت في الحق أنطع
أنا اللي كنت أصحِّي الغفلانين
أنا المصري
كريم العنصرين!!ـ
ولولا الأنظمة العربية لامت..
وفي صفوف العدو حتكون وكانت
ما كان الموت عرف "صيدا" و"بَعَبْدا"
ولا كانت قيامّة الغدر قامت
ولا قلب العرب بيِّت حزين!.
أنا المصري
كريم العنصرين.ـ
مازال نفس العدو.. ومازال خبيث
أبونا مات وسابْهُولنا.. وَريث
ومهما يلف ويدور.. راح يغور
وإسأل عِندنا بيوت السويس
حلاوة روح.. وحياة الحسين!!
أنا المصري
كريم العنصرين

و أخيرا، مقتطفات من حوار لعبد الرحمن الأبنودي مع سعيد الشحات، نشر في المصري اليوم عدد 20 أغسطس:ـ
فالأعداء الذين يتربصون بنا تتعامل الدولة معهم بسلوك يدعو لمحبتهم، وتري أن التهجم عليهم هو تهجم عليها مباشرة، وحادثة التلميذة «آلاء» التي كتبت موضوع تعبير في ورقة الإجابة تنتقد فيه بوش خير نموذج علي الدعوة لمحبة الأعداء
إذا كانت (الدولة) أو المثقفون يعتقدون أن أمر الإخوان هين فإنهم يكونون مخطئين، إذ لم يعد أمام الفقراء غير الرب، والرب هو ما يتحرك باسمه الإخوان.ـ
سوف أكون سعيداً جداً حين ينفتح باب كفاية لفلاحين وعمال وفئات فقيرة خارج القميص والبنطلون، وأن تزداد لتشمل الواقع بأكمله، إذ كيف يعاني الواقع ويغلي إلي هذا الحد، ولا يوجد إطار لاستيعابه، ويظل الأمر هو أن تخاطبني وأخاطبك.ـ
أما الأحزاب العلنية، فكما قلت سابقا إنها تركت جماهيرها التي زحفت إليها من القري والمدن الصغيرة، وتفرغ قادتها للإدلاء بأقوال في التليفزيون كلما احتاجت الدولة إلي من يعطيها براءة وصكا بأنها تمارس الديمقراطية
عبدالناصر حوّل الشعب إلي ثوريين ضد الاستعمار، وزحفوا خلفه في كل الإصلاحات الداخلية الصعبة، وضحوا بأبنائهم في صحراء سيناء، بكوا أبناءهم سراً، وفي العلن كانوا مؤيدين لما يفعل الرجل، وتبنوا قضايا القومية العربية والوحدة، كما أرادها عبدالناصر لهم، ورددوا شعارات الاشتراكية، ومحاربة الإقطاع والرأسمالية، وقضوا العمل المضني والمهلك في مشروع السد العالي والمصانع، وحين أمرهم بشد الأحزمة علي البطون لم يترددوا، وحين هزم في ١٩٦٧ خرجوا للمطالبة بعودته من قلوبهم، وليس بتدبير من الاتحاد الاشتراكي أو غيره.ـ
حين جاء السادات وداس علي «زرار» سار خلفه الشعب المصري، وحين ذهب إلي كامب ديفيد كانت الناس في الشارع تؤيده وتتوهم من التأييد خيراً، ورددت شعارات أنه كفانا حروباً، وأن المال الذي يمول به الجيش نحن أولي به في الداخل، وحين عارضنا ذلك في الشارع رفضت الجماهير أقوالنا، ولا تصدق أبداً أن جماهير عبدالناصر كانوا هم نفس جماهير السادات.ـ
علي الرغم من كل الاجتهادات لم يعرف أحد منا يوما ما مقياس حرارة الغضب والرضا عند الشعب المصري، ولم تعرف حتي الآن متي يثور، ومتي يهدأ، ومتي ينصرف، ففي الوقت الذي تنتظره لا يأتيك، علي الإطلاق، ثم تحدث انفجاراته وأنت نائم في فراشك منصرف عنه تماما، هو شعب له قانون خاص، ولا نعرف حتي الآن مفاتيحه، وتتعجب وهو رد علي سؤالك، لماذا كان هذا الشعب ثائرا في ثورة ١٩١٩، وفيما بعد خلف مصطفي النحاس وكيف هاجم ثكنات الإنجليز في ميدان العباسية، وكيف أذاق الاستعمار الإنجليزي والحكومات العميلة الويل، أين ذهبت كل تلك الطاقة الثورية، وكيف تخلق الزعيم الذي تصد قوته، والحزب الذي يدخل من أبوابه الآلاف مثل حزب الوفد القديم؟
الفلاح المصري يتعامل مع حكامه وأفندياته، وكأنه يري فيهم وجوها لمماليك وعثمانيين، هو لا يصدق أفنديا يلبس قميصا وبنطلونا، والفترة الوحيدة التي خرج فيها من تحفظه هذا، هي فترة الزعيم جمال عبدالناصر، فلم يكن ممكنا لنا نحن الأفندية أن ننال منه أمامهم، في الوقت الذي كنا نطالب بسقوط ديكتاتوريته.ـ
اعتقلني عبدالناصر لمدة ٦ أشهر، مع أفضل عناصر جيل الستينيات، ومع ذلك فحين تواتر الزمن، وراقبت مسلك الحكام من بعده وجدته نظيف اليد بحق وحقيقي، وليس شعاراً، ولم يحدث فساد في ذمته، وحين أنظر الآن إلي ما نحن فيه أسأل نفسي: لماذا قامت الثورة؟ ألم تقم من أجل إنهاء الفساد؟ هل كان الفساد في مصر يوازي واحداً علي ألف من الفساد الذي استشري اليوم في بدن مصر من خصلة الشعر لأخمص القدم، أنهي من جاء بعد عبدالناصر تجربة الرجل، وهدموا إنجازه، ويبيعون الآن عرق العمال والبناة الذين شيدوا المصانع، وأقاموا المؤسسات، يبيعونها الآن بتراب الفلوس لبعضهم البعض متجاهلين أن هذا الإنجاز كان ثمن جوعنا وصبرنا لسنوات طويلة في البناء والتشييد.ـ
هم يتشدقون بهزيمة ١٩٦٧ ورغم ذلك فإن هامة مصر كانت في السماء، ولم يكن يمكن لأحد أن يلمسنا بإهانة ولو صغيرة، بينما نحن نعمل الآن محلل بين العدو والأمة لكي يمتطيها في الحلال والحرام، ولا نعرف لمصر دوراً غير البيع الشره، وكأن العالم سينتهي غداً.. وصدقني أن اليأس يليق بنا، وقد عشت أزرع الأمل، وأحيانا أتمني الموت كي لا أري نهاية ما يصنعه المغول والتتار الجدد بإنجاز شعبنا منذ عام ١٩٥٢، هل تصدق أن لوحة جمال عبدالناصر ترفع من علي بناء السد العالي لتوضع لوحة السادات، ولمدة لم أذهب إلي أسوان فيا تري لوحة من الآن الموجودة علي جدار السد؟
نحن أضعنا وقتاً طويلاً في الثرثرة في الوقت الذي لم يعد أحد قادراً علي الابتسام عدا الأغنياء، ولا أدري كيف لا يحس أهل السلطة بالخطر القادم، مصر لن تصمت والجوع كافر، والمحرضون يمارسون عملهم اليومي بدأب شديد وإخلاص وحنكة، واستفادة من ماضي التجارب، كل ما أراه أننا سنخرج من بئر لنقع في ساقية، ولا شيء إلا الإحباط حين لا يكون في يدك ما تفعله.ـ